يحلل "مجتمع التحقق العربي" وسمين مرتبطين بالأحداث، كاشفاً عن خطاب تحريضي وكراهية متبادل، إلى جانب وجود مؤشرات على تنسيق منسق لتضخيم التفاعل حول كل منهما. كما برزت حسابات من خارج سوريا تنشط على كلا الوسمين، مستخدمة خطاباً طائفياً وتحريضياً.
تنامي سريع ثم انفجار لحظي
اندلعت أعمال العنف في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، بين الدروز وقبائل البدو، يوم 13 تموز/يوليو 2025.
في مساء اليوم نفسه قفزت معدلات النشر على وسم "#الهجري_الخائن" من منشور واحد إلى 614 منشوراً، ليصل في اليوم التالي إلى 2336 منشوراً، قبل أن يحصد في 16 تموز/يوليو 9031 منشوراً، ثم يبلغ ذروته في 18 تموز/يوليو بأكثر من 16800 منشور، وينحدر تدريجياً في الأيام التالية حتى استقر على نحو 4351 منشوراً في 21 تموز/يوليو 2025.
سجّل وسم "#الهجري_الخائن" في 18 تموز/يوليو أكثر من 60 مليون مشاهدة، تلاه يوم 17 تموز بـ 33 مليون مشاهدة، ثم 16 تموز بـ24 مليون؛ وهي أرقام مرتفعة بشكل غير معتاد في السياق السوري، وتثير شبهة وجود تضخيم منسّق.
وحكمت الهجري هو أحد الزعماء الروحانيين لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، وبرز اسمه عقب رفضه التوقيع على مذكرة تفاهم بين الحكومة السورية والسلطات الدرزية في آذار/مارس 2025.
في المقابل، شهد وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" نمطاً زمنياً متوازياً تقريباً، إذ بدأ بـ7565 منشوراً في 15 تموز/يوليو، وارتفع إلى 11363 منشوراً في 16 تموز/يوليو، قبل أن يشهد طفرة لافتة في 17 و18 تموز/يوليو، مسجلاً 17826 و19583 منشوراً على التوالي.
من خلال تحليل أكثر من 40 ألف منشور اتضح أكثر من 75% من المنشورات على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" كانت إعادة نشر؛ أي محتوى غير أصلي يُعاد ضخه ضمن توقيت قصيره بواسطة حسابات مكررة. أما في وسم "#الهجري_الخائن" كانت نسبة إعادة النشر 68%، لكن 40% منها تكررت من قبل مجموعة الحسابات نفسها التي أسهمت أيضاً في الوسم المقابل. وفي الوسمين لم تتعد نسبة المحتوى الأصلي 10%.
حرب وجدانية على جبهتين
من أصل 77638 منشوراً مصنفة شعورياً تحت وسم "#الهجري_الخائن"، صنف 66932 منشوراً سلبياً؛ أي ما يعادل 87% من المحتوى الإجمالي.
في المقابل، لم تسجل المنشورات الإيجابية سوى 2603 منشوراً (3.3%)، في حين بلغت المنشورات المحايدة 8098 منشوراً فقط (10.4%).
وسادت المنشورات السلبية وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" بنسبة 66.6% من إجمالي الوسم؛ ولم تسجل المنشورات الإيجابية سوى نسبة 6.5%.
النمط الزمني لتحوّل المشاعر كشف عن تزامن متطابق تقريباً في صعود الحدة الشعورية لكلا الوسمين؛ فبين 13 و18 تموز/يوليو، قفز عدد المنشورات السلبية بشكلٍ جماعي في كلا الوسمين، بالتزامن مع ذروة الاشتباكات المسلحة في الريف الغربي للسويداء. وبلغت المنشورات السلبية ذروتها في "#الهجري_الخائن" بـ 14563 منشوراً يوم 18 تموز/يوليو، فيما سجل وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" 2001 منشور سلبي في اليوم نفسه.
من يغرد من أجل السويداء؟
انطلق التفاعل على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" من داخل الجبل نفسه، إذ تَبيّن أن أكثر من 55% من التفاعلات نُشرت من حسابات يُرجَّح أن أصحابها يقيمون فعلاً في محافظة السويداء أو في محيطها المباشر. وسُجّلت أعلى كثافات النشر في الريفين الشرقي والغربي، حيث اندلعت الاشتباكات مع العشائر البدوية.
في المقابل، بدا أن وسم "#الهجري الخائن" يُدار على نحوٍ مختلف؛ فـ 30% من منشوراته خرجت من حسابات منسوبة جغرافيًّاً إلى السعودية والإمارات، في حين ظهر نشاط لافت للتفاعل على الوسم من الولايات المتحدة وتركيا وألمانيا.
على الخريطة التفصيلية، تصدَّر ريف دمشق وإدلب وحمص المشاركات الناقدة للشيخ حكمت الهجري، في حين تركزت أصوات الدفاع عن "الجبل" في السويداء وقرى شهبا وقنوات وعرمان.
وأظهر التحليل أن حسابات من الرياض وجدة ودبي لعبت دور إعادة تدوير خطاب التخوين ضد الدروز. في حين، حلت لبنان في المركز الثالث في قائمة البلاد الأكثر تفاعلاً على وسم "#السويداء _تحارب _الإرهاب"، ونشطت هذه الحسابات في نشر محتوى ناقد للنظام السوري الجديد.
خطاب كراهية وتحريض
يشير تحليل الكلمات الأكثر تكراراً على كلا الوسمين، سيادة الخطاب التحريضي والطائفي، الذي تخلله معلومات مضللة.
تكررت على وسم "#الهجري _الخائن"، كلمات تتهم الهجري بـ"العمالة" و"التبعية للمحور الإيراني أو الاحتلال الإسرائيلي".
كما جاء على حسابات تحمل العلم السوري الجديد منشورات تتهمه بأنه "قاتل الأطفال"، وأنه يعمل على "تهجير المسيحيين".
ونفى الأب طوني بطرس، خادم كنيسة شهبا، ما تردد من "شائعات" تدعي تهجير المسيحيين من السويداء، في خضم النزاع المسلح الأخير.
في المقابل، تكررت على وسم "#السويداء _تحارب _الإرهاب" كلمات تحريضية وخطاب كراهية؛ مثل: "الغدر البدوي"، و"الميليشيات العشائرية"، و"الاحتلال الداعشي".
وحملت بعض المنشورات على الوسم خطاباً طائفياً، يدعي أن "الأكراد والعلويين والدروز لا يستطيعون العيش مع السنة"، واصفاً السني بـ "الجولاني"، نسبة إلى "أبي محمد الجولاني"، الاسم الذي عرف به سابقاً الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.
كما ركزت منشورات من حسابات لبنانية على الهجوم على النظام السوري الجديد، مكررة كلمات؛ مثل "الجولاني إرهابي"، و"قاتل السوريين".
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من ألف شخص قتلوا جراء العنف في السويداء.
من أطلق الحملة؟
يشير تحليلنا أن الحساب الذي أطلق التفاعل على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" يحمل اسم "ZAINUN زينون" @ZAINUN313، ونشر الحساب الوسم مرفقاً بنص عن "الحق الشيعي في مواجهة التكفيريين".
وتظهر منشورات الحساب تأييد صاحبه للقوى المدعومة من إيران في المنطقة؛ على رأسها حزب الله، ومعارضته للنظام السوري الحالي.
في الجهة المقابلة، يظهر حساب @mueawia2011 باسم "معاوية سراقب" كأول من أطلق وسم "#الهجري الخائن". ويُقدم الحساب نفسه على أنه "صوت العشائر المنتفضة"، وصوت إدلب "العز" كما يسميها، مقابل ما يعتبره "خيانة" الشيخ حكمت الهجري ومجتمع السويداء للدولة السورية. كما ينشر الحساب محتوى مناهض للدروز ولإيران وحزب الله، مستخدماً خطاباً طائفياً.
ويشير تحليل المخططات الشبكية للحملتين الرقميتين عن فروقات في طريقة التنظيم وأساليب النشر والتأثير الرقمي لكل منهما؛ فبنية الحسابات المتفاعلة على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، تتألف من حسابات مركزية، وكل حساب منها يمتلك مجموعته الفرعية من الحسابات الثانوية التي تعيد نشر وترويج رسائله، ولكن مع درجة محدودة من التداخل أو التواصل المباشر بين الحسابات الرئيسية.
وفي قلب هذه الشبكة، برز حساب "SFOLK_AL_SHEIKH" بوصفه مصدراً أولياً لعدد كبير من المنشورات وإعادة النشر، مما منحه تأثيراً عالياً ضمن الشبكة. هذا الدور المحوري في تغذية المحتوى دفع منصة "إكس" إلى اتخاذ قرار بحظره.
تليه في الحجم والتأثير حسابات أخرى؛ مثل: "Mira Medusa"، و"mehmood_kolo"، و"leenjustleen"، و"Unseen Rebel".
يمثل كل من هذه الحسابات محوراً أو نقطة تجمع رقمية فرعية لها سردية خاصة بها ومحتوى متجانس نسبياً يدور حول فكرة محددة؛ مثل الدفاع عن "كرامة الجبل" أو التركيز على البعد المحلي والهوية الجماعية لسكان السويداء. وقد دلّ تباعد التكتلات اللونية الخمسة عن بعضها بعضاً على وجود حد أدنى من التفاعل أو التواصل بين هذه المجموعات، وهو ما يؤكد وجود حالة من الاستقلالية الرقمية والتنسيق المحلي بين المجموعات الفرعية، مع ضعف واضح في الاتصال المباشر أو تبادل المعلومات بين هذه المحاور المختلفة.
على الجانب الآخر، اتسمت شبكة وسم "#الهجري_الخائن" ببنية مغايرة وأكثر تعقيداً وكثافة. التمثيل البصري لهذه الشبكة أظهر شبكة مترابطة بشكل مكثف مع عدد كبير من الروابط التي تجمع بين الحسابات المركزية والحسابات الثانوية. وقد كانت الحسابات المركزية؛ مثل: "C_S_E_C" و"anasanas84" و"mshinqiti" و"ZamoutVisam" و"Hadi Alabdallah" تمثل مراكز قوة وتأثير واضحة، إذ لم تكتفِ هذه الحسابات بنشر محتوى معين فحسب، بل لعبت دور الوسيط والجسر بين عدة مجموعات فرعية، وهو ما جعل البنية العامة للشبكة شديدة التماسك، وأتاح انتقالاً سلساً وسريعاً للمعلومات، وبالتالي تعزيز سردية الحملة بشكل أوسع وأسرع في مختلف أرجاء الشبكة.
في الخلاصة، يؤكد هذا التحليل الشبكي أن الحملتين ليستا فقط تعبيراً عن مواقف متعارضة، بل هما انعكاس لأساليب رقمية وتكتيكات مختلفة في إدارة الصراع الرقمي. إحدى الشبكتين تفضل اللامركزية والاستقلال في إنتاج المحتوى، في حين تعتمد الأخرى على مركزية وتنسيق محكم.
تحليل الحسابات المؤثرة
يكشف تحليل الحسابات الأكثر تفاعلاً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب" أن الناشطة اللبنانية-السورية روان عثمان كانت من بين أبرز المشاركين. وقد أثارت منشوراتها جدلاً واسعاً، لا سيما تأكيدها أن "إسرائيل ليست الخصم، بل الحليف الأمل في المنطقة".
في المقابل، نشط حساب محمد المختار الشنقيطي بكثافة على وسم "#الهجري _خائن". ويؤيد الشنقيطي الثورة السورية، والنظام السوري الحالي، والرئيس الشرع، ويهاجم الدروز "رابطاً بينهم وبين إسرائيل".
كما رُصد استخدام خطاب طائفي من قِبل عدد من الحسابات التي تفاعلت بكثافة مع الوسم؛ من بينها anasanas84 وC_S_E_C، إذ تضمّنت منشوراتها كلمات تنطوي على تحريض طائفي.
واللافت على كلا الوسمين، أن حسابات غير سورية نشطت في نشر سرديات متقابلة تتخللها الطائفية والتحريض؛ فبينما نشطت حسابات خليجية على وسم "#الهجري_الخائن" ناشرة محتوى ضد الدروز والشيعة، نشرت حسابات تتخذ من لبنان موقعاً جغرافياً على وسم "#السويداء_تحارب_الإرهاب"، خطاباً طائفياً ضد السنة.