حسابات "Gazawood" مجهولة الهوية على منصات التواصل الاجتماعي وتحديدًا على منصة "X"، تتبع شكلًا جديدًا من التضليل. تتهم الحسابات التي أُنشئت بعد بداية العدوان على قطاع غزة الفلسطينيين والمتضامنين معهم بتزييف المشاهد التي ينشرونها حول المعاناة اليومية جراء العدوان على القطاع والضفة الغربية، كالمشاهد التي توثق جثامين الشهداء والإصابات، والغارات الإسرائيلية، وآثار تعذيب الأسرى الذين أُطلق سراحهم، والاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين الفلسطينيين.
وتشكك "Gazawood" بوفاة الأطفال من البرد، مدعية أن الفلسطينيين يستخدمون الدمى لفبركة المشاهد من أجل كسب تعاطف دولي. لم تقف حسابات "Gazawood" عند هذا الحد، بل أصبحت في الفترة الأخيرة تنشر مقاطع فيديو لمشاريع من قطاع غزة لنفي تعرض الفلسطينيين في القطاع لمجاعة حقيقية.
تضخيم للمشاهد وتغييب للواقع
مؤخرًا، أصبحت حسابات "Gazawood" تنشر مقاطع فيديو لمشاريع من قطاع غزة تتعلق بالطعام والشراب والمواد التموينية سبق وأن نشرها أصحابها، فعلى سبيل المثال أعادت نشر مقطع فيديو من مطعم "بيتزا بيتزا"، ومقطع آخر من مقهى "سويت"، وفيديو من مول "شاكر حرب التجاري". ولكن كيف تضلل حسابات "Gazawood" الجمهور من خلال هذه المقاطع؟
أولًا: الاختيار: تنتقي حسابات "Gazawood" المقاطع التي تتعلق بالطعام والشراب والمواد التموينية وإقبال المواطنين على شرائها، في المقابل تغيب أو تنفي المقاطع التي توثق حجم المجاعة التي يعاني منها أهالي القطاع والتزاحم على الحصول على الطعام من المطابخ المجتمعية "التكيات" مثلًا، وتغيب أو تنفي أيضًا المقاطع التي تظهر آثار المجاعة على أجساد أهالي القطاع وتحديدًا الأطفال.
ثانيًا: التضخيم: تبرز "Gazawood" هذه المقاطع وتكرر نشرها من مصادر مختلفة، عاكسة بذلك صورة أن هذه المقاطع تصور الواقع في القطاع وأن ما يتم تداوله حول المجاعة ليس إلا تضليلًا.
ثالثًا: الاستنكار والاستهزاء: تستخدم الحسابات وصفًا استنكاريًا واستهزائيًا لنفي وجود المجاعة وليست التصريح بذلك مباشرة، فالعنوان الذي أرفق بفيديو مطعم "بيتزا بيتزا" يقول: "النظام الغذائي المفضل لدى وسائل الإعلام: قصص الجوع فقط" وفي ذلك اتهام لوسائل الإعلام بنشر قصص مفبركة حول المجاعة، أما فيديو مقهى "سويت" فأرفق بالنص التالي: "أوه هيا. القليل من الحلوى لا يمكن أن يضر السردية بأكملها"، وهنا ادعاء بأن الفلسطينيين متفقين على سردية واحد مضللة حول المجاعة.
رابعًا: ادعاء المصداقية: توضح "Gazawood" في وصف المقاطع التي تنشرها أن مصدرها الفلسطيني الذي قام بشرها موجود في نهايتها، إذ تضع في ختام كل مقطع لقطة شاشة من الحساب الذي قام بنشرها، لإضفاء مصداقية على ما تدعيه حسابات "Gazawood".
اجتزاء من السياق
الآليات التي تتبعها حسابات "Gazawood" ليست إلا اجتزاء من سياق أوسع لا يصور الواقع كما هو، فوجود بعض المشاريع المتعلقة في الطعام والشراب والمواد التموينية لا ينفي وجود المجاعة. ولا يمكن يكون إثباتًا أمام تقارير المنظمات الدولية والمؤسسات المحلية والتقارير الصحفية التي تؤكد وجود المجاعة في القطاع.
ماذا يقول الصحفيون؟
تقول الصحفية سلمى القدومي في حديثها مع كاشف إن المجاعة في قطاع غزة انتشرت بشكل "فظيع" تحديدًا بعد أكثر من 80 يومًا من إغلاق المعابر، ومنع دخول أي نوع من المساعدات والبضائع إلى القطاع، وأوضحت أن الأسواق شبه فارغة من المواد الأساسية والتموينية كالطحين والأرز والمعلبات، وأن معظم المطابخ المجتمعية "التكيات" أُغلقت بسبب عدم وجود مواد لإعداد الطعام بعد إغلاق المعابر.
وأشارت القدومي إلى أن مقاطع الفيديو التي تنشرها حسابات "Gazawood" لا تمثل الواقع في قطاع غزة، وإنما مشاريع فردية تعاني من تهديد مستمر بالإغلاق، فأصحاب هذه المشاريع كانوا قد خزنوا المواد الخام والتموينية عند فتح المعابر ولكن الكثير منها أُغلق بسبب نفاذ المواد المخزنة.
وبين المصور الصحفي عبد الحكيم أبو رياش لكاشف أن الحصول على الطعام يوميًا في قطاع غزة عملية "صعبة جدًا" بسبب شح المواد التموينية وانقطاع الطحين في الأسواق، إضافة إلى الأسعار المرتفعة لهذه المواد في حال توفرها، حيث تلجأ العائلات في القطاع إلى تناول وجبة واحد بسيطة يوميًا والتي يبلغ سعر إعدادها نحو 100 شيكل للعائلة الصغيرة، فعلى سبيل المثال بلغ سعر كيلو البندورة 30 شيكل وسعر الباذنجان كذلك، أما كيلو البطاطا فوصل إلى 50 شيكل.
يعزي أبو رياش هذا الارتفاع الكبير في الأسعار والذي يثقل كاهل العائلات في القطاع، ويحد من قدرتها على شراء المواد الأساسية إلى إغلاق المعابر، وسيطرة جيش الاحتلال على عدد كبير من المساحات والأراضي الزراعية بشكل كامل وبالتالي عدم إمكانية الاستفادة منها. إلى جانب ذلك، يقول أبو رياش إن العائلات كانت تتجه للمطابخ المجتمعية "التكيات" للحصول على الطعام بالرغم من الحصة القليلة جدًا التي كانت تحصل عليها العائلة الواحدة، ومنها ما لم يكن يحصل على وجبة من الأساس، بالرغم من ذلك إلا أن معظم هذه "التكيات" أغلقت بسبب نفاذ المواد الأساسية اللازمة للطبخ.
تقول الصحفية والحقوقية نسمة الحلبي إن الأسواق في قطاع غزة شبه خالية من المواد الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون في القطاع كالطحين والأرز والعدس والمعلبات والخضروات، كما تضاعفت أسعارها بالرغم من رداءة جودة ما هو متوفر، مشيرة إلى أن سعر 250 غرام من البصل مثلًا يصل إلى نحو 80 شيكل، ما اضطر المواطنين إلى شراء شرائح من البصلة الواحدة، أما سعر البندورة والخيار يتراوح بين 40 إلى 50 شيكل.
أضافت الحلبي أن هناك أزمة سيولة في القطاع تضطر من لا يزال على رأس عمله للتوجه إلى أشخاص لسحب أموالهم ولكن بعد دفع عمولة تصل إلى 40% من مجمل الأموال، الأمر الذي يؤثر على قدرة المواطنين الشرائية إلى جانب الارتفاع "الفلكي" للأسعار.
وأوضحت الحلبي أن سكان القطاع يجدون صعوبة بالغة في الحصول على مياه الشرب، التي تكون ملوثة في الغالب وتؤدي إلى إصابتهم بالأمراض.
المشاريع تغلق أبوابها
أوضح شادي أبو صرار صاحب مشروع حلويات "البطيخة" لمرصد كاشف أن إنشاء مشروعه خلال العدوان على القطاع كان أشبه بـ "المستحيل" بسبب شح الإمكانيات والمواد الخام اللازمة لصناعة الحلويات، مضيفًا أنه استطاع شراء المواد الخام الأساسية مع فتح المعابر ولكن بأسعار "باهظة جدًا" ومن ثم تخزينها.
وأكد أبو صرار أنه مع إغلاق المعابر اضطر إلى التوقف عن تقديم الحلويات، واستمر في تقديم المشروبات الساخنة ضمن الإمكانيات المتوفرة، مشيرًا إلى استخدامه للنار و"بابور الكاز" بسبب عدم توفر الغاز وانقطاع الكهرباء.
أما محمد العمارين صاحب مطعم "بيتزا بيتزا" ومشروع "Pizza Food Truck" الذي نشرت حسابات "Gazawood" أحد مقاطع الفيديو الخاصة به لنفي وجود المجاعة، أكد لكاشف أن المقطع من مطعم "بيتزا بيتزا" الذي قام بافتتاحه منذ 3 أشهر محاولًا خلاله توفير فسحة لأهالي القطاع وسط العدوان الذي يتعرضون له، إلا أنه اضطر لإغلاقه مع ارتفاع وتيرة الخطر والخوف من استهدافات الاحتلال، إلى جانب شح المواد الأساسية الخاصة بـ "البيتزا" مع إغلاق المعابر، التي في حال توفرها تكون بأسعار عالية حيث يصل كيلو السكر إلى 100 شيكل وكيلو الطحين إلى نحو 120 شيكل وكيلو الزعتر إلى 100 شيكل.
وأوضح العمارين أنه أطلق مشروع "Pizza Food Truck" وهو عبارة عن مطعم متنقل يقوم من خلاله ببيع "البيتزا" عبر موقع إلكتروني ويتعاون مع مؤسسات إغاثية ليستطيع توزيعها على أطفال قطاع غزة مجانًا. وأفاد أنه لم يطلق أي مبادرة منذ شهرين بسبب إغلاق المعابر وبالتالي عدم توفر المواد الخام، إلى جانب خطورة الطرق وصعوبة حصوله على "السولار" اللازم للتنقل.
تقارير المنظمات الدولية والمؤسسات المحلية حول المجاعة
شددت بيسان أبو جياب مديرة طاقم شؤون المرأة في قطاع غزة على أن كل المساعدات الإنسانية التي كانت تدخل إلى القطاع في فترات محدودة منذ بداية العدوان لم تكن تكفي احتياجات المواطنين، مؤكدة على انقطاع المواد الأساسية في القطاع بعد إغلاق المعابر، وتداعيات ذلك على انتشار المجاعة التي تؤدي إلى استشهاد المواطنين وتحديدًا الأطفال، إلى جانب إصابتهم بفقر الدم.
تصف أبو جياب في حديثها مع كاشف ما يجري حاليًا في قطاع غزة بـ "حرب التجويع"، وأنها "أبشع مرحلة" مرت على القطاع منذ بداية العدوان، الذي يعاني من شح شديد في المواد الغذائية وانقطاعها، إضافة إلى انتهاء مخزون منظمة الغذاء العالمي والأونروا والمؤسسات الدولية والمطابخ والتكيات التي تزود مخيمات النازحين ومراكز الإيواء بوجبة غذاء واحدة بسيطة، وبالتالي لم يعد باستطاعتها تقدم الخدمات للنازحين.
وأضافت تقول إن هناك انقطاع أيضًا في حليب الأطفال واحتياجاتهم، وفي حال توفرها تكون بأسعار "عالية جدًا" لا تستطيع معظم العائلات الحصول عليها، إضافة إلى إغلاق المخابز والمولات بسبب انقطاع الدقيق والأسعار المرتفعة للحطب البديل عن الغاز، ونفاذ مخزون البضائع والمواد التموينية.
أفادت أبو جياب أيضًا أن تصريحات الاحتلال بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع كاذب وعار عن الصحة، فما دخل حتى اللحظة ليس إلا عدد قليل من الشاحنات.
في ذات السياق، كانت منظمة المطبخ المركزي العالمي قد أعلنت بتاريخ 8.5.2025 عن توقف جميع عملياتها الإنسانية في قطاع غزة نتيجة نفاد مخزون المواد الغذائية ووقود الطهي اللازم للطهي وإعداد الخبز، نتيجة حصار الاحتلال الإسرائيلي وإغلاقه للمعابر منذ مطلع آذار الماضي.
وقال مؤسس المنظمة، الشيف خوسيه أندريس إن "شاحناتنا جاهزة للدخول، لكنها لا تستطيع التحرك دون تصريح، يجب السماح بتدفق المساعدات الإنسانية".
وكان أمجد الشوا رئيس شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة قد حذر من أن معظم المطابخ المجتمعية "التكيات" التي يعتمد عليها نحو 40% من سكان القطاع في الحصول على وجبة واحدة يوميًا، ستتوقف عن العمل بسبب نفاد الإمدادات، واستمرار الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، مما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، خاصة مع تزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء. وأعلنت الشبكة بتاريخ 8.5.2025 عن توقف عدد كبير من المطابخ المجتمعية في ظل نفاذ ما لديها من مواد غذائية.
كما ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة وجهات دولية بتاريخ 12.5.2025 أن "قطاع غزة بأكمله يواجه خطرًا كبيرًا لحدوث مجاعة مع تصاعد القتال مرة أخرى، واستمرار إغلاق المعابر الحدودية، وندرة الغذاء بشكل خطير، وقد اشتد الجوع وسوء التغذية بشكل حاد منذ منع دخول جميع المساعدات في 2 آذار (الماضي)"، وأشار التقرير إلى أن الغالبية العظمى من أطفال غزة يواجهون حرمانًا غذائيًا شديدًا.
وأوضح التقرير أن إغلاق المعابر إلى غزة لأكثر من شهرين والتي تعتبر أطول فترة إغلاق يواجهها السكان على الإطلاق تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق إلى مستويات "فلكية"، وجعل الغذاء القليل المتاح بعيدًا عن متناول معظم العائلات.
وقالت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) كاثرين راسل، إن "خطر المجاعة لا يحدث فجأة، بل إنه يتوالى في الأماكن التي يُمنع وصول الأغذية عنها، وحيث تدمرت الأنظمة الصحية، وحيث تُرك الأطفال دون متطلبات الحد الأدنى للبقاء"، مضيفة أن "الجوع وسوء التغذية الشديد هما واقع يومي للأطفال في جميع أنحاء غزة. وقد حذرنا مرارًا من هذا المسار وندعو من جديد جميع الأطراف أن تعمل على منع وقوع كارثة".
قال المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا عبد الحكيم الواعر لـ "CNBC" بتاريخ 19.5.2025، إن "أزمة غزة" هي الأكثر حدة عالميًا بسبب ارتفاع عدد الأشخاص المهددين بانعدام الأمن الغذائي، موضحًا أن أكثر من 93% من سكان القطاع في مرحلة الطوارئ و244 ألف شخص في غزة في المرحلة التي تسبق المجاعة.
في حين أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبرييسوس خلال افتتاح الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في جنيف بتاريخ 19.5.2025، على وجود خطر المجاعة في قطاع غزة الذي يهدد حياة السكان، إذ يعاني مليونا شخص من الجوع الشديد، وأشار غبرييسوس أن المنع المتعمد للمساعدات الإنسانية وأطنان الطعام المتواجدة عند الحدود على بعد دقائق فقط هو سبب تفاقم "الأزمة".
جدير بالذكر أنه منذ أكثر من 80 يومًا على إغلاق الاحتلال المعابر مع قطاع غزة ومنع إدخال المساعدات والإمدادات الإنسانية والإغاثية للقطاع، أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة أمس الأربعاء 21.5.2025 عن دخول 87 شاحنة مساعدات متنوعة إلى قطاع غزة تم تخصيصها لصالح عدد من المؤسسات الدولية والأهلية، ليتم توزيعها على المواطنين.
وأوضح مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة اسماعيل الثوابتة للمرصد أن الشاحنات احتوت على الطحين والمساعدات الغذائية ومكملات غذائية للأطفال إضافة إلى الأدوية، وأنه وفقًا للمؤسسات الدولية فالشاحنات وصلت إلى الجنوب فقط حتى اللحظة، ولم تدخل إلى وسط القطاع وشماله، وأشار إلى أن عدد الشاحنات التي كانت تدخل القطاع قبل العدوان يصل إلى 500 شاحنة يوميًا.
يعتبر هذا العدد من المساعدات ضئيلًا مقابل احتياجات المواطنين في قطاع غزة، ووفقًا للمتحدث باسم الأونروا عدنان أبو حسنة فإن القطاع بحاجة إلى أكثر من 600 شاحنة يوميًا حتى يستطيع مواجهة المجاعة.